الشَّهوة من شَها بمعنى شَهِيتُ الشَّيء، وشَهاهُ يَشْهاهُ شَهوةً واشتهاهُ وتشهَّاه: أحبَّه ورِغِبَ فيه، والتَّشهِّي: اقتِراحُ شَهوةٍ بعد شَهوة، ويُقالُ رجلٌ شَهوانيٌّ وشَهوان: أي أنه شديدُ الشَّهوة، وقيل فيها هي الرَّغبة في الطَّعامِ، وقيلَ الرَّغبةُ في النِّساء، وقيل هي حبُّ الذُّنوبِ والمعاصي وإضمارُها في القلبِ وإن لم تُرتَكب، وقيل الإصرارُ على العملِ وإن لم يُعمل به، وفي كتابِ الله تعالى: (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَٰلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَاللَّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ)،[١] وقيلَ فيها: الرَّغباتُ والمَلذّات، وقيلَ في الشَّهواتِ في ما جَمعت معانيها: هي ما أريدَ به عَملُ الدُّنيا والإقبالُ فيها دونَ استِحضارِ الآخرة والجدُّ في طلبِها، وقيلَ التعلُّقُ بالدُّنيا وطلبها، وقيل الانشغال عن الله بأيِّ أمر لا يُرادُ به وجهه.[٢][٣]
كيف أبتعد عن الشَّهواتحَرصَ الإسلام على تَطهيرِ العِبادِ مما يشوبُ فطرتَهم من المعاصي والّذَنوبِ، وما يُرافقها من الإقبالِ على الشَّهواتِ والمَلذَّاتِ دونما سيطرةٍ أو حَذر، فنظَّمَ الشَّهواتِ ولم يَمنَعها، وقنَّنها ويسَّر لها ظروفاً وأحوالاً تُماشي حاجةَ العبادِ لها وترغُّبَهم فيها، فكان من ذلك الزَّواجُ والتَّملُّك والتِّجارةُ وغيرها مما يَجمعُ للإنسانِ مُشتَهياتِه في أوجه الحلال بعيداً عن ارتِكابِ المُخالفاتِ في طَلبِها، وما ينتج عنه من تلبُّس المعاصي والذُّنوب، والنَّفسُ البشريَّةُ تؤثرُ التقلُّب والتلوَّن، فتُقبِلُ إلى المعاصي تارةً، فتصيبُ منها بغفلتها ما تُصيبُ، وتُحكِمُ الغرائزُ قَبضتها على العبدِ حتَّى تُبعِده عن فِطرَته، فإذا عقِلَ ووعي عادَ إلى الله تارةً أخرى، فاعتَرفَ ونَدِمَ وتابَ واستَغفَر، وفي ذلكَ ما يُنجيهِ ويُخفِّفُ عنه أثر معاصيه، والإسلامُ يَكفلُ لِمن أرادَ الخيرَ وآثرَ الآخرة على الدُّنيا أن يَضبِطَ له سائِرَ حركاتِه وسُلوكياتِه، ويُنظِّم له شهواتِه ورَغباتِه، ومن القواعِدِ الإسلاميَّةِ المُعينةِ على تركِ الشَّهوات:[٤]
ميَّزَ الله الإنسان بنعمة العقلِ بين جميع مخلوقاته، فأمكنه بها توظيف قُدراته في إدراك الاشياء والظروف والتعبيرات والمواقف، وتحليل الظواهر والمؤثرات وتفسيرها، ثمَّ يُبنى على ذلك استجابته استجابة تليق بتفكيره وحسن تدبيره وتخطيطه، فكانَ العقلُ بذلك ميزةَ الرُّشدِ التي تميَّز بها الإنسان، وحجَّة الله عليه في تكليفهِ واستخلافه، ولا ينفي وجودُ العقلِ في تركيبةِ الإنسانِ وبنيانِه حاجاتَهُ الفطريَّة واحتياجاتِه البشريَّة أو يتنافى معها، إنَّما أمكنه امتلاكُ هذه النِّعمة في ضبطِ احتياجاتِه ورَغباتِه وشَهواته، وبناءُ الإنسانِ مقرونٌ باستعجال الدُّنيا والسَّعي في طلبها، والإقبال عليها، وفي نعيمِها ومقامها ما يُرغِّبهُ فيها ويغرقه في شهواتِها، وليس فيهِ عصمة عن إتيانِها، فَتسوقُه إلى المعاصي والذنوب بِضعفِهِ وآدميَّته، فإن أمكَنَ عقله من شهوتِه امتلكَ القيادةَ والسَّيطرة وضبط الشَّهوة والرَّغبات، وإن هو أمكن شهوتَه من عقلِه استَكثَرَ من الذُّنوبِ وأغدقَ على نفسهِ مِنها، وهو في ذلكَ بين ابتلاءٍ واختِبار.
عن أنس بن مالكَ رَضِيَ الله عَنهُ عن رَسولِ اللهِ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ أنَّه قال: (كلُّ ابنِ آدمَ خطَّاءٌ، وخيرُ الخطًّائينَ التَّوَّابونَ).[١١] ويقولُ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ: (حُفَّتِ النَّارُ بالشَّهواتِ وحُفَّتِ الجنَّةُ بالمكارِهِ).[١٢] والشَّهوة إمَّا أن تُضَبطَ بتفكيرٍ وحسنِ تدبيرٍ وخوفٍ من الله القدير، فيكونُ فيها الخيرُ والطُّهرُ والجزاءُ الحسن، ومن ذلك قولُ الرِّسولِ عليه الصَّلاة والسَّلام: (وفي بُضْعِ أحدِكم صدقةٌ)[١٣] فكانَ مأجوراً بشهوتِه لمَّا أتاها بالحلالِ والنِّظام موافقاً لما أمرَ به مصروفاً عما نهي عنه، فأمَّا إذا ما غَفِل الإنسانُ في تنظيمِها وأساءَ في توجيهها ساقَت له النَّدمَ والحسرةَ والشَّقاء والغم، وألزمته العقوبة والعذاب، ولربَّما كانت مما يوجب الحدودَ في الدُّنيا والسَّخط في الآخرة، وفي الشَّهواتِ إذا ما التبست بحرامٍ مغضبة الرَّبِّ وشماتة الخلق وإبطاء النِّعم.[٨][١٤]
المراجعالمقالات المتعلقة بكيف أبتعد عن الشهوات